طهران (إيران تلكس) - اقرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين بعدم فعالية الحظر الأميركي ضدّ إيران، واعترفت بالمعاناة الاقتصادية الشديدة بسببها، فإلى متى يستمر هذا الإجراء ضد الدول التي تقول لا لواشنطن؟
يُقاس الانتصار والفشل في الحروب بمدى تحقيق الأهداف المُعلَنة منه، وهذا ما يجعل حرب العقوبات فاشلة قياساً بالأهداف التي وضعتها واشنطن، وهو ما تعترف به وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين قائلةً إنّ العقوبات الأميركية ضدّ إيران لا تعمل.
موقع "Responsible State Craft"، نقل عن يلين قولها إنّ إيران تعاني بشدّة اقتصادياً بسبب العقوبات، وهذا يعني أنّ الشعب هو الذي "يُجلَد في هذه اللعبة".
المشهد يتكرر في عقوبات أميركية مشابهة ضد كل من روسيا وإيران والصومال وكوبا وكوريا الشمالية وفنزويلا وسوريا وغيرها، إذ تجلد العقوبات هنا الشعوب، ولا تحقّق أياً من أهدافها المُعلَنة.
في كوريا الشمالية، تُتابع البرامج العسكرية الخاصة بالصواريخ البالستية والأسلحة النووية، وفي فنزويلا يفترش المواطنون الشوارع للاحتجاج ضدّ العقوبات الأميركية. أما سوريا فقد صمدت أمام الحرب الكونية ضدّها، والأهم أفشلت كل أهداف هذه العقوبات، وهذا يحدث في لبنان وفلسطين المحتلة أيضاً. تراجع واشنطن يساعد على التملص من العقوبات
قال محلل الميادين للشؤون الدولية والإستراتيجية منذر سليمان إنّ الولايات المتحدة لجأت إلى الحرب الاقتصادية والعقوبات والحصار والحظر، كوسائل لما تقول إنّه تعديل في سلوك الأنظمة التي لا تنصاع للمشيئة الأميركية.
وأضاف أنّ العقوبات يُفترض أن يكون أثرها فعالاً على الدول التي تقوم بتبادل تجاري أساسي مع الولايات المتّحدة، وفي حين أن لا تبادل تجارياً كبيراً بين الدول المتخاصمة مع الولايات المتّحدة أو المعادية لها، يتصرّف الكونغرس الأميركي كأنّه حكومة عالمية، خاصة في ظل الحرب الباردة التي حالت دون أن يكون هناك حروب ساخنة كثيرة.
كما رأى سليمان أنّ اعتراف يلين، لا يعني أنّه سيكون هناك تغيير في سلوك الولايات المتّحدة، لأنّ الخيار العسكري لديها أصبح مغلقاً في كثير من الأحيان، ما يعني أنّها ستستمرّ في هذا الأسلوب، غير عابئة بالآثار السلبية المدمّرة على الشعوب.
وحول وصف سلاح العقوبات بأنّه فاشل على الرغم من المآسي الكثيرة التي تحصل، قال سليمان إنّ كل الدول تتكيّف مع هذا الأمر، وأصبحت قادرة على تجاوز أثر العقوبات من دون أن يكون هناك قدرة على التمكّن من بعض النتائج السلبية على المستوى المعيشي والاقتصادي للشعوب. العقوبات تعبير عن سيكولوجية الغرب الاستعمارية
بدوره، قال محلل الميادين للشؤون السياسية، ناصر أبو نصّار، إنّ إرث العقوبات في العقلية الغربية قادم من الحقبة الاستعمارية، وهو تطوّر ونضج مع مفاهيم السيادة الغربية على التاريخ والحضارة والاقتصاد، وتحديداً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
وأوضح أبو نصّار أنّ مفهوم العقوبات الإصلاحي، بحسب دراسات الاستعمار، هو مفهوم "النيكروبوليتيك"، أي إحساس الغرب أنّه، وبموجب هيمنته السياسية والاقتصادية والعسكرية، قادر على تقرير الحياة أو الموت لأي شخص أو دولة أو مجتمع، وتقييد حياته وفق تصوّرات الغرب ومصلحته. وهذا المفهوم هو تعبير عن حالة سيكولوجية موجودة لدى المجتمع الغربي مؤسساته وقياداته، وفق أبو نصار.
وذكّر أبو نصّار بتصريحات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، عندما سُئلَت عن وفاة أكثر من 400 ألف طفل عراقي في الموجة الأولى من العقوبات على العراق، فأجابت بـ "أنّنا نعتقد أنّ الثمن يستحق"، مشيراً إلى ذلك كمثال على الإحساس الطاغي بالهيمنة والتشبّث بها على حساب كل ما هو إنساني.
ولفت أبو نصّار إلى أنّ تراكم العلم والثروة طوال عقود بيد الغرب، من دون إمكان محاسبته، دفعه إلى التمادي حتى ضاق العالم ذرعاً بالأحادية القطبية، وبدأ ببناء العالم متعدد الأقطاب. الاعتراف الأميركي لا يعني تصويب الأخطاء
من جهته، أكّد محلل الميادين للشؤون العربية والإقليمية، عبد الرحمن نصّار، أنّ التصريح المنقول عن وزيرة الخزانة الأميركية لا يمكن أن يُترجَم لخطوات عملية لمصلحة الشعوب، لأنّ الولايات المتحدة، حين تعترف بشيء ما، لا تقوم بذلك من أجل تصويب الخطأ، إذ لم تصوّب مرةً أي خطأ ارتكبته سابقاً.
وتوقّع نصّار أن يكون ما قيل لعبةً سياسيةً داخليةً أميركية، واعتبر أن الأميركيين من خلال هذا التصريح، يريدون رفع المسؤولية عن أنفسهم.
وأضاف: "عندما يُقال إنّ هذه الإجراءات لم تأتِ أكلها، تكون هذه الوزارة قد قالت إنّني فعلت أقصى ما في طاقتي، ولكن المشكلة إمّا في المنظومة نفسها، وإمّا في مكان آخر هم لا يريدون الاعتراف به، وهو أنّ هذه الشعوب صمدت واستطاعت إيجاد طرق بديلة من أجل الافتكاك من الهيمنة الأميركية".
ورأى نصّار إنّ المشكلة مع العقوبات هي مشكلة اصطلاحية وفلسفية بالأساس؛ اصطلاحية لأنّنا نعرف أنّ العقوبة لمَن أساء الأدب، إنّما هذه الشعوب والدول لم تُسئ الأدب مع أحد، وإنّما تبحث عن استقلاليّتها، والعقوبات هي إجراءات عدوانية.
أمّا المشكلة الفلسفية فيها، فتكمن في أنّها تُفقد الطرف الذي تُسلَّط عليه هذه الإجراءات حقّ الدفاع عن النفس، إّ تتألف نصوص العقوبات الأميركية من سطر أو سطرين ونصف، من دون إتاحة أي مجال للرد والدفاع، وهذا من أصول المحاكمات العادلة حتى داخل الدستور الأميركي نفسه.
وختم نصّار بالقول إنّ المشكلة ليست بالضرورة مع الأنظمة في الدول التي تعاني من العقوبات، بل مع أن الشعوب اختارت السيادة والاستقلال، وتمشي مع أنظمتها وإن لم تكن متوافقة مئة بالمئة معها، ولكنّها في مكانٍ ما تؤيّد جزءاً من الأفكار وخاصّةً الاستقلال والسيادة، والدليل على ذلك استمرار استخدام العقوبات وعدم التفكير في وسائل أخرى.