طهران (إيران تلكس) - على الرّغم من أنّه يبدو تمّ إنشاء المنظّمات الدّوليّة مع أجندة تحقيق السّلام والاستقرار في النّظام الدّوليّ، ومهمّتها المُعلنة هي منع تصعيد التّوترات في المنظّمات الدّوليّة، إلّا أنّ هذه القاعدة ليس لها أيّ تأثير من النّاحية العمليّة. خلال الأيّام الأخيرة، ادّعى رافايل غروسي، المدير العام للوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّريّة، بعد صمت مريب لعدّة أيّام، في بيان أنّه لن يسمح أبداً بأن يتأثّر حلّ قضيّة الضّمانات في إيران بالتّصريحات والتّلميحات السّياسيّة.
يأتي هذا الادّعاء في حين أنّ الوكالة هي العامل الرّئيسيّ في الملفّ النّوويّ الإيراني، والآن هي قد حدّدت جدول الأعمال لقلب اللّعبة رأساً على عقب بالتّنسيق المطلق مع الصّهاينة والممثلّين الغربيّين.
من الواضح، في هذه اللّحظة الحسّاسة والحاسمة، أنّ على المرء أن ينتبه إلى لعبة رافايل غروسي على أرض تلّ أبيب وواشنطن والاتّحاد الأوروبّي، لأنّ السّجلّات السّيئة لمدير الوكالة العامّ والهيكل التّنظيمي لهذه الموّسّسة، لن تترك مجالاً للتّفاؤل.
وأبعد من ذلك، يجب أن تؤخذ علاقات غروسي الخاصّة مع السّلطات الأمريكيّة والصّهيونيّة بعين الاعتبار عند ترسيم خريطة الطّريق لهذه المنّظمة في الأيّام المقبلة.
كشف النّقاب عن لعبة الوكالة
من الواضح للجميع أنّ الوكالة بذلت قصارى جهدها لفرض تعهّدات إضافيّة بشأن قضيّة الضّمانات والبروتوكول على إيران في سلسلة المفاوضات في فيينا، وبالطّبع لم تنجح في هذا الصّدد. على الرّغم من أنّه منذ البداية وخاصّة في المفاوضات الّتي أدّت إلى خطّة العمل الشّاملة المشتركة (بين عاميّ 1992 و 1994)، كان تشكيل مثلّث واشنطن ووكالة الطّاقة الذّريّة والاتّحاد الأوروبي أكثر وضوحاً من أيّ وقت مضى، لكن إعادة تعريف هذا المثلّث في المرحلة الحاليّة (إجراء مفاوضات لإحياء الاتّفاق النّووي) كان أيضاً محور تركيز جميع الأطراف الثّلاث.
والآن في مرحلة ما، تقود الوكالة والولايات المتّحدة وأوروبا خطّة مشتركة، وبناءً على ذلك، لا يُمكن اعتبار الوكالة جهة فاعلة مستقلّة فيما يتعلّق بالتّحقيق في ملفّ إيران النّووي ومفاوضات فيينا. لا يبدو أنّ صياغة هذه اللّعبة المشتركة صعبة للغاية.
كان ينوي غروسي من خلال نشر مواقفه المنحازة تجاه أنشطة إيران النّوويّة، وفي خضم دراسة ردود الفعل المتبادلة بين إيران والولايات المتّحدة، زيادة عناصر الضّغط على إيران بحيث أنّه حتّى لو لم يتمّ إعادة تفعيل الاتّفاق النّووي، ستضطّر إيران من خلال قبول التّعهدات الإضافيّة بشأن الضّمانات والبروتوكول، لإعطاء الامتيازات لهذه المنظّمة. لكن في هذه الحالة، على المدير العامّ للوكالة وأعضاء مجلس الإدارة أن يأخذوا بعين الاعتبار أنّهم لن يشهدوا ابتزاز طهران النّووي.
قضيّة الخلافات الأمنيّة
وبحسب الردّ الأميركي، أصبحت قضيّة ضمانات إيران من العقبات الرّئيسيّة أمام التّقدّم في مسار المحادثات النّوويّة في الأشهر الأخيرة. ويحاول مسؤولو الوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّريّة تعمّد الحفاظ على الغموض فيما يتعلّق بالأنشطة النّوويّة الإيرانيّة من خلال الاستشهاد بما يُسمّونه "الحالات المزعومة"، من أجل تحقيق هدفهم المتمثّل في "التّفتيش العابر للزمان والمكان" لإيران. من ناحية أخرى، تتّهم السّلطات الإيرانيّة رافايل غروسي بالعمل السّياسي لصالح إسرائيل واتّباع مواقفها، بالاستناد إلى سلوكه وتقاريره ومواقفه المُعلنة. وقد تمّ إثبات هذا الاتّهام عدّة مرّات وأدّى إلى عدم ثقة إيران المطلقة في الوكالة. في آذار/ مارس من العام الماضي، وأثناء زيارة غروسي لطهران، تمّ توقيع اتّفاق بين الوكالة وإيران بشأن تقديم إجابات لأسئلة غروسي، وتمّ الاتّفاق على أنّ منظّمة الطّاقة النّوويّة الإيرانيّة ستردّ على الأمور الّتي تنظر فيها الوكالة بموجب آليّة جديدة. وعلى الرّغم من مرور نحو ستّة أشهر منذ ذلك الحين، والوكالة ترمي الحجارة في طريق هذا التّعاون المشترك بأعذار واهية وكاذبة، بما في ذلك الطّبيعة المشبوهة لأنشطة إيران النّوويّة.
الملفّات المزمع إغلاقها
أمّا الآن، فإنّ المدير العامّ للوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّريّة، يجب أن يكون من جهة مسؤولاً عن تعطيل اتّفاق آذار/ مارس والموافقة على القرار المعادي لإيران في مجلس المحافظين، ومن جهة أخرى، رسم موقف واضح لحلّ القضايا المزعومة للوكالة ضدّ إيران. ومن الواضح أنّه إذا لم يتمّ التّوصّل إلى مثل هذا الاتّفاق وبقيت الحالات المزعومة سارية، فإنّ الجمهوريّة الإسلاميّة لن تنفّذ اتّفاق خطّة العمل الشّاملة المشتركة حتّى لو تمّ التّوقيع عليها مسبقاً. وقد أعلنت طهران أنّ تنفيذ الاتّقاف النّووي مرهون بحسم هذه القضايا المزعومة، ومجرّد "الرّد والتّعليق من قبل الوكالة" على الملفّات المقترحة لا يُمكن أن يُساعد في حلّ هذه القضايا! في غضون ذلك، على الوكالة إغلاق الملفّات مرّة واحدة وبشكل نهائيّ، مشيرة إلى ما تمّ الاستناد عليه سابقاً في حلّ ملف PMD.
تُطالب إيران بإغلاق قضيّة الضّمانات في نفس وقت خطّة العمل الشّاملة المشتركة، بحيث لا يكون هناك في المستقبل، وفقاُ لطهران، مجال للضّغط على إيران أو فرض عقوبات جديدة.
في الوقت نفسه، فإنّ الدّول الغربيّة تعتبر قضيّة الضّمانات وخطّة العمل الشّاملة المشتركة مسألتين غير مرتبطتين، وطلبت من إيران الإجابة على أسئلة الوكالة دون ربط هذه المسألة بمحادثات إعادة تفعيل خطّة العمل الشّاملة المشتركة. في الأسابيع الأخيرة، نُشرت تقارير تُفيد بموافقة الطّرفين، من جهة، التزام إيران بالإجابة على أسئلة الوكالة، ومن جهة أخرى، تعهّدت الدّول الغربيّة أيضاً بإنهاء هذه القضايا في مجلس محافظي الوكالة.
على أيّة حال، فإنّ المهمّ بالنّسبة لإيران ليس الوعود الّتي قطعتها الدوّل الغربيّة، بل تنفيذها. أجرى الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مشاورات مع غروسي في هذا الصّدد، ولكن إلى أن تُصبح هذه الحالات خارطة طريق عمليّة ومضمونة، فإنّ جمهوريّة إيران الإسلاميّة ستحافظ على حذرها من الوكالة. ولا ننسى أنّه حتّى لو تمّ التّوقيع على الاتّفاقيّة النوّويةّ، فإن تنفيذها سيكون مشروطاً بإغلاق الادّعاءات الكاذبة للوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّريّة ضدّ إيران. هذه قضيّة ستعتمد على الإرادة الحقيقيّة لغروسي ومن معه في الوكالة.